بـكل جــنـاني أقــول

صباح الأمس تحركت بي السيارة من بوتالام إلى واتالا. وكان سفرا لإلقاء محاضرة لمدة لا تنقص عن ثلاث ساعات في دورة تثقيفية في كلية أبي هريرة، واتالا للطلبة الذين يدرسون في سنة التخرج في الكليات العربية بكولومبو. والسيارة تقلني وأنا منهمك في التفكير فيما سأتناول في محاضرتي من مواضيع ومعلومات وأفكار وقضايا و... و... و... وإذا بجوالي يحمل لي نبأ مؤسفا. ومرت عيناى على الكلمات المسطورة "انتقل إلى رحمة الله تعالى والد الشيخ سراج الرحماني". ثم بعد المحاضرة نظرت إلى الاتصال الهاتفي الذي فاتني من حبيبي سراج أثناء المحاضرة نظرة تأسف.

والد أخينا العزيز محمد سراج واسمه سيد محمد أعرفه من أيامي الدراسية في الجامعة الرحمانية، أكورانا. وقد رأيته لأول مرة عندما جاء الرحمانية ومعه طفل لم يبلغ الثاني عشر من سنه كى يدخله الرحمانية. وطفل ذلك اليوم هو كهل هذا اليوم الشيخ محمد سراج.

ومنذ ذلك الحين إلى آخر لحظة من حياة الراحل سيد محمد أعرفه رجلا متمسكا بالدين، هادئا، لين الجانب، ذا خلق فاضل. وكان يتعامل مع الناس بخلق رفيع. وهذا أحله محل القبول في القلوب.

المرحوم سيد محمد أكبر الإخوة الخمسة المعروفين بأصحاب لاكي ستورس. وكان لاكي ستورس أكبر وأشهر دكاكين الملابس التي احتضنها سوق أكورانا في الثمانينات وأوائل التسعينات في القرن المنصرم. وكان يملكه ويديره المرحوم سيد محمد وإخوته الأشقاء إسماعيل وإلياس وجفري وعز الدين. والأخوان إسماعيل وإلياس وافاهما المنون قبل سنين.

وهذه كما أعلم أسرة طيبة، متدينة، محترمة. تحب الدين وأهله وتوقر العلم ورجاله. وأهل العلم والدين أيضا يحبون هذه الأسرة الكريمة. ولا يخفى على أحد ما لهذه الأسرة من صلة قوية بالجامعة الرحمانية مديرا ومدرسين وطلبة.

لقد أقر الله جل ثناؤه عيون الأخ سيد محمد وحليلته بولدين؛ ذكر وأنثى. والابن هو صديقي الشيخ محمد سراج. وكان اسمه الأصيل ثورج. ثم غير بسراج على اقتراح من العالم الراحل والشيخ الفاضل خليل أحمد الكيرنوري. وقد انضم أخونا سراج إلى الجامعة الرحمانية طالبا في قسم تحفيظها. ولما تحقق بفضل الله تعالى نجاحه في التحفيظ التحق بقسم الدراسات الشرعية والعربية فيها. وأنهى هذه الدراسات بنجاح. ثم سافر إلى الهند وواصل دراسته العليا في التفسير والحديث في دار العلوم، ديوبند. ثم عاد إلى وطنه. فأكرمه الرحمانية بضمه إلى هيئة تدريسها. ومنذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا يخدم الشيخ سراج الجامعة الرحمانية حق خدمة بجد وإخلاص.

إن الشيخ سراج مشهور بخدماته الدعوية. ومنابر الجوامع تزدان بخطبه البليغة، السديدة. وجماعة التبيلغ بأكورانا تتشرف بإمارته الفائقة، الرشيدة. والمساجد تتمتع بمواعظه الحسنة، المفيدة.

ولا شك أن الراحل سيد محمد لم يفارق الدنيا صفر اليد ولا مطويا كتابه، بل فارقها مملوءة يداه، منشورا كتابه. يصله كل ثانية ثواب من أطيب كسبه. وهو ولده الكريم سراج. وهو عالم عامل، معلم. ولا أزكي على الله أحدا. وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله: عالم عامل، معلم يدعى كبيرا في ملكوت السماوات.

أنزل الله الملك المنان على والد الشيخ سراج رحمته الواسعة وأذاقه برد العفو والعافية وفسح له في قبره فسحه لخيار عباده وأكرمه بالفوز الكبير بفردوسه الأعلى وألهم أهليه الصبر والسلوان.

هذا. يعلوني الحزن ويغلبني الخجل حين أحرك أصابعي في كتابة هذه السطور، إذ فاتني تشييع هذا الرجل الفاضل دينا وخلقا وسيرة وصورة. ومحاضرة الأمس كما قلت في صدر هذا المكتوب حالت دون ذلك. أنا والشيخ سراج سجيران حميمان. وصداقتنا قديمة جدا. وتستمر إلى حيننا هذا. عسى الله اللطيف أن يزيد هذا الحب صفاء وصدقا ووفاء وإخلاصا ويديمه إلى الأبد ويكرمنا بالإجلاس على منابر النور في المحشر.

عندما أردت الاتصال بحبيبنا سراج للاعتذار والتعزية كنت أقدم رجلا وأؤخر أخرى، لأنه لم يكن عندي كلمات تدل على مشاعري دلالة صحيحة، صريحة. وكلما اخترت لفظا للاعتذار اعتذر اللفظ عن التعبير عما في الضمير. وكلما اصطفيت كلمة للتعزية اضطررت إلى تعزية الكلمة لعجزها عن أداء المعنى المقصود.

بكل جناني أقول: يا حبي، أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وغفر لميتكم. إن العين تدمع والقلب يحزن. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. وإنا بفراق أبيك يا حبيبنا لمحزونون.

أبو أواب عبد الناصر بن حنيفة

1438/06/16هـ
2017/03/16م